في منطقة فيلا لينش، وهي منطقة صغيرة تقع في مدينة سان مارتن بعاصمة بوينس أيرس الأرجنتينية، تبدأ قصتنا.
ما أن اشتد أزر الطفل إنزو فيرنانديزفي المنطقة اللاتينية، فإن أول ما يذهب لفعله هو ركل الكرة، المجنونة التي تتنفسها شعوب أمريكا الجنوبية. إذا جمعنا بين شعوب أمريكا الجنوبية وكرة القدم، فإن المساحة الأولى لركلها وممارستها هي الشارع وفي أماكن أخرى كرة قدم الأطفال التي يُطلق عليها أمريكا اللاتينية “Baby Fútbol”.
كانت عائلات الأرجنتين في الكثير من أحياءها تضم على الأقل طفلاً بين أفرادها يركب الكرة، ولم تكن عائلة إنزو التي تتكون من أب وأم وخمسة أبناء من بينهم إنزو استثناءً من ذاك التقليد الموروث في الكرة اللاتينية عامةً وليس الأرجنتين خاصةً.
كنز المواهب، الشارع و”Baby Fútbol”.
تخرج من منزلك مسرعاً قاصداً إنهاء إحدى الأمور الشخصية المستعجلة، ثم تُفاحئ بشيء ما اصطدم برأسك أو ظهرك،ثم تلتفت لترى ما هذا الشيء، تجد الكرة مستلقية بجوارك منتظرة صاحبها الصغير، ترفع عينيك إلى الطفل تجده إما مبتسماً أو قلقاً في انتظار ردة الفعل.
موقف اختبرته في صغرك وأنت الطفل صاحب الكرة، واختبرته في كبرك وأنت المار الذي يعدو مسرعاً لإنهاء احتياجاته. يمكنك التخمين الأن عما نتحدث عنه، إنه متنفس الطفل الهارب من القيود التي تثقل كاهله في صغره، إنه الشارع الذي تعلّم الطفل به الكرة.
كرة قدم الأطفال أو ما يطلق عليها “Baby Fútbol” في أمريكا الجنوبية تشبه كثيراً كرة قدم الصالات أو ما نعرفه بكرة الخماسي التي تُلعب بواسطة حارس مرمى وأربعة لاعبين. الشيء المشترك الذي يجمع بينها وبين كرة الشارع هو المساحات الصغيرة التي يتم تحديدها وعدد اللاعبين مثل 5 ضد 5 أو 4 ضد 4، وليس مثل مباراة كرة قدم احترافية.
تُمنح مساحة من الحرية كبيرة لهؤلاء الأطفال ساعدت كثيراً على تطويرهم، ورفع الإمكانيات الإبداعية في كيفية أدائهم في مساحات صغيرة.
ذكاء مبكر
يبزغ ذكاء الطفل إنزو فيرنانديز ففي مرحلة مبكرة من عمره الذي لم يتعدَ الخمسة أعوام وقتها، مما جعله طفلاً محبوباً للكثير من الناس ومنهم بالطبع العائلة. بدأ إنزو في ناديه المحلي “لا ريكوفا” بلعب مباريات صغيرة، يطلقون عليها في الأرجنتين “Baby Fútbol” والتي كانت مركزاً هاماً للكشافين من الأندية الكبرى التي دائماً ما تصوب عيونهم تجاه المواهب المُكتنزة في الأندية المحلية.
اُكتشفت موهبة الصبي في هذا العمر من قبل أحد كشافي نادي ريفير بليت الأرجنيتيني، ويدعى بابلو اسكويفيل بعد أن شاهده متألقاً في نادي لا ريكوفا المحلي. بعد اكتشاف اسكويفيل لإنزو، انتقلت العائلة من منطقة فيلا لينش إلى حي نونيز الذي يقع في بوينس أيرس على الحافة الشمالية للمدينة.
قدم اسكويفيل توصية بضم إنزو فيرنانديزلمنسق فرق الشباب أنذاك غابرييل رودريغيز نظراً للموهبة العالية التي يتمتع بها اللاعب وكان عمره وقتها لم يتخطَ الخمس سنوات.
بدأ إنزو طريقه في أكاديمية ريفر بليت في حي باركي تشاس في بوينس أيرس، في نادي كرة القدم للأطفال الذي يشرف عليه خافيير سافيولا لاعب برشلونة ومنتخب الأرجنتين سابقاً.
أشواك في الطريق
لم يكن طريق إنزو مفروشاً بالورود، فقد كان فتى قصيراً وبديناً إلى حد ما، مما صعّب من مهمة دخوله في التشكيلة الأساسية للنادي حتى سن المراهقة، حتى أبلغ رئيس الأكاديمية ومنسق فرق الشباب غابرييل رودريغيز أنه يريد الرحيل لكي يحصل على دقائق لعب أكثر من ذلك.
تباطئت الأمور مع إنزو في صعوده للدرجات الأعلى لنادي ريفير بليت بسبب معاناته من السمنة بعض الشيء، وفي المقابل كان لدى زملائه طفرات في النمو وتقدم كبير على المستوى البدني والفني. مع تراجع ثقة الطفل إنزو، أخبره اسكويفيل، مكتشفه ومعلمه في ريفر أن الحل هو التدرب أكثر وتناول الوجبات الصحية لكل يحصل على جسد أفضل يساعده على التطور.
لم يكتف ِ إنزو بالتدريب فقط فقد كان يشاهد اللاعبين الذين يلعبون في مركزه في محاولة منه لنسخ وتعلم عديد الأشياء التي كانت تنقصه، بالإضافة للتدريب أكثر من ساعتين كل يوم حسبما قال مكتشفه بابلو اسكويفيل.
لم تضع عائلة إنزو الوقت، حيث تعاقدت مع مدرب شخصي وخبير للتغذية للاعتناء بطفلهم ومساعدته أكثر على النمو. سرعان ما حصد إنزو ثمار عمله انضباطه؛ فقد فقد خمسة كيلوغرامات في شهر واحد وهو معدل سريع للاعب يبلغ ثلاثة عشر عاماً كما قال والده في مقابلة مع الإذاعة الأرجنتينية.
عقلية احترافية
تدرج إنزو في المراحل السنية لنادي ريفر بليت حتى وصل لكرسي الاحتياط للفريق الأول، فتدرب مع احتياطي ريفر في سن السابعة عشر من عمره. لم يعجب إنزو وضعه الاحتياطي في الفريق، فكان يريد التطور أكثر ولعب المزيد من الدقائق. وهنا توجه الشاب لسؤال مدربه الذي يدعى لويجي فيلالبا عما ينقصه ليكون متواجداً أساسيًا في الرسم الأساسي للفريق الأول.
أضاف فيلالبا لصحيفة ذي أثلتيك أن إنزو كان يستمع جيداً للنصائح التي تُقدم له، ويأخذها على محمل الجد ليضعها موضع التنفيذ؛ لأنه يمتلك عقلية خاصة متعطشة للنجاح.
الطريق إلى مونديال قطر 2022
تعاقد نادي بنفيكا البرتغالي مع لاعب ريفر بليت الأرجنيتيني إنزو فيرنانديزقبيل كأس العالم ب 18 مليون يورو بعد ما جذب أنظار مسوؤلي التعاقدات بالنادي البرتغالي. انضم إنزو لقائمة المنتخب المتوج بكأس العالم قطر 2022.
https://twitter.com/FabrizioRomano/status/1547676104193781760?s=20
كانت بداية إنزو الحقيقية في المونديال في مباراة المكسيك، التي عانى فيها المنتخب الأرجنتيني كثيراً للوصول إلى شباك الحارس المكسيكي أتشوا. دخل إنزو أرضية الملعب في الدقيقة السابعة والخمسين ليقدم أداءً مميزاً باصماً بهدف من أروع أهداف المونديال في الدقيقة ال السابعة والثمانين، لتعبر الأرجنيتين فخ المكسيك بأمان. ختم إنزو مشواره في المونديال بالتتويج بكأس الحلم لبلاد الفضة ثم التتويج بجائزة أفضل لاعب شاب في البطولة.
الوجهة القادمة لندن
لم يمضِ ستة أشهر في النادي البرتغالي حتى وجه تشيلسي بمالكه الجديد تود بويلي الأنظار نحو وسط ملعب النادي البرتغالي بطلب من المدير الفني وقتها غراهام بوتر لاحتياج تشيلسي لوسط ملعب في ذلك الوقت.
حطم تشيلسي الرقم القياسي في موسم الانتقالات في الدوري الإنجليزي الموسم الماضي بالتعاقد مع إنزو مقابل 121 مليون يورو بعد يوم من مناوشات محمومة من المفاوضات مع نادي بنفيكا البرتغالي.
نجم لامع في مصاف النخبة
لمعت موهبة إنزو من الصغر كما أسلفنا الذكر وهذا ما جعله لاعبًا مطلوباً خارج أمريكا اللاتينية. يتميز إنزو بالكثير من الصفات التقنو-تكتيكية التي تتيح له البقاء في قمة لاعبي الوسط على مستوى العالم ليس فقط لخصائصه، وإنما لذكائه وقدرته على قراءة الأحداث الجارية على أرض الملعب واتخاذ القرارات التي تنبئ بالخطوات القادمة لسياقات اللعب.
“كان إنزو ممرراً ممتازاً لمسافات قصيرة وطويلة على حد سواء، كذلك قدرته على الانطلاق إلى حافة منطقة الجزاء والتسديد الجيد.” فيلالبا لذي أثلتيك.
يوضح مديره الفني الأسبق في ريفر بليت قدرة إنزو التقنية على توزيع اللعب ومساعدة زملائه بسطل أفضل على أرض الملعب، من تمريراته القصيرة أو الطويلة المتقنة، بالإضافة لقدرته على الاختراق العمودي إلى منطقة الجزاء والقدرة على التسديد من خارج منطقة العمليات وصناعة الفرص.
يشيد فيلالبا كذلك بقدرته المميزة على القيام بعمليات الاستكشاف البصري حول كتفيه؛ لتفقّد أماكن زملائه والخصم والمساحة المرجوة للتقدم بالكرة. لا يهمل إنزو عملية التوقيت التي تدور حولها كرة القدم حالياً، حيث تطورت اللعبة وصارت أسرع من ذي قبل.
https://twitter.com/mfbnvideos/status/1691046888491855872?s=20
أثنى خوسيه بيسيرو، مدرب سبورتنج لشبونة وبورتو السابق تمريراته ورؤيته حيث تذكره بزين الدين زيدان. بالإضافة لأنه يجد أيضاً حلولاً فقط من خلال التحكم في الكرة بطريقة معينة. لم يكن زيدان الوحيد الذي شُبّه به إنزو فكان له نصيب أن يتم تشبيهه بساحر ريال مدريد والمنتخب الكرواتي لوكا مودريتش حيث قال أحد مستشاريه القدامى في ريفر”لديه رؤية بانورامية للعبة ولمسة راقية ، تشبه إلى حد بعيد لوكا مودريتش.”
أرقامه ضد يوفنتوس الأيطالي في دوري أبطال أوروبا حيث شارك في إحدى وثمانين دقيقة من اللقاء.
https://twitter.com/UtdArena/status/1570153051889061890?s=20
يُنظر أحيانًا إلى فرنانديز على أنه لاعب خط وسط دفاعي. لديه القدرة على اللعب في أدوار عميقة والقيام بعمل فعّال بعيدًا عن الكرة، واستعادتها وإغلاق مسارات التمرير لمهاجمي الخصم، لكن وصفه بأنه دفاعي فقط من شأنه أن يضر به.
لن يكون من المفاجئ أن نرى إنزو يقوم كصانع ألعاب متقدم أكثر مكانياً المستقبل، لكنه الآن أكثر فاعلية عندما يفعل ذلك من أماكن أعمق في وسط الميدان، ويمنح نفسه نقطة من التي من خلالها أن يطلق العنان لمواهبه الإبداعية.
مصادر
إنزو فيرنانديز- بروفايل نادي تشيلسي
بابلو اسكويفيل- مكتشف إنزو فيرناديز وحديثه عن اللاعب