لا تتفوه بكلمة، أنت مجرد آلة
الملعب للاستمتاع وتشجيع فريقه ودعم اللاعبين للفوز بالمباراة، وكما نقول سابقًا، ما بقى في الملعب يبقى في الملعب. ولكن مع تطور كرة القدم وتطور العالم من حولها، تظهر بعض الظواهر غير الجيدة بين الطرفين، منها التراشق بين اللاعبين والجمهور، وأيضًا مثل ظواهر العنصرية في الملاعب وكذلك على وسائل التواصل الاجتماعي.
سموم جماهيرية وازرداء حقوقي
مع التطور السريع الذي شهده عالم التواصل الاجتماعي، ووصول اللاعبين إلى طريق مسدود مع الصحف التقليدية والقنوات التليفزيونية، منحت وسائل التواصل الاجتماعي صوتًا للاعبين للتعبير عن أنفسهم وأداة مهمة للتواصل مع الجمهور، لكن هذه الأداء لها مميزات وعيوب وليست الطريقة المُثلى في كثير من الأوقات.
إيجابيًا، تساعد مواقع التواصل الاجتماعي لاعبي كرة القدم وغيرهم من الرياضيين على جني الكثير من الأرباح من خلال زيادة عدد المتابعين والتعاقد مع شركات الرعاية والتسويق، بالتالي يتم استخدام تلك الوسائل لأغراض تسويقية ودعائية لكل من اللاعب والشركات التسويقية، ولكن ماذا عن اللاعب والجمهور؟ كما أشرنا سلفًا، أعطت تلك الوسائل الاجتماعية صوتًا للاعبين وكذلك الجمهور، فيمكن للاعب مشاركة المتابعين أحداث يومه واحتفالاته في المناسبات العائلية وغيرها.
سلبيًا، كان لسوء استخدام تلك الوسائل أثرًا مُخيبًا في العلاقة بين اللاعبين والجمهور، فيمكن لأحد المشجعين التخفي وراء حساب تويتر أو فيسبوك، مُطلقًا انتقادًا لاذعًا وعبارات عنصرية تؤثر نفسيًا على اللاعب وأدائه ذاخل أرضية الملعب. كذلك مُنح المشجعون إحساسًا كبيرًا بالاستحقاق لمعرفة كل كبيرة وصغيرة عن اللاعب. وبالتالي يُطلق المشجع لسانه على اللاعب مرة أخرى لندخل في دائرة مُفرغة متجاهلين عوامل أكثر حساسية لتلك العلاقة بين اللاعبين والجمهور.
عندما تم سؤال أرسين فينغر عندما كان مديرًا فنيًا لنادي أرسنال عما إذا كان يعترض على استخدام لاعبيه لموقع تويتر، توقف إلى حد ما عن التأييد وقال "يمكن أن يكون جيدًا وسيئًا للغاية". "إذا كان من الممكن أن يكون صورة إيجابية للنادي، لا بأس بذلك، وقد يكون أيضًا سيئًا."
أرسين فينغر
ربما تأثر فينغر في ذهنة بتجربة "دارون چيبسون" لاعب خط وسط مانشيستر يونايتد سابقًا. في أحد الأيام، دخل چيبسون على حسابه الخاص بتويتر - وكان لديه اثنا عشر متابعًا- فقام بإغلاق حسابه نهائيًا. قد نالت منه سموم ألسنة مشجعي نادي مانشيستر يونايتد.
-دارون چيبسون
في سياق هذه العلاقة بين لاعبي كرة القدم والجمهور، بدأت رغبة الأندية في تولي مسؤولية التصريحات العلنية للاعبيها النجوم في الظهور. بطبيعة الحال، أدخل معظمهم الآن بروتوكول تويتر للاعبين. تقول ويندي تايلور، رئيسة قسم الإعلام في نيوكاسل يونايتد عام 2011 : "سياستنا هي أننا نسمح للدافعين باستخدام تويتر بحس سليم". "هناك مواضيع نطلب منهم عدم التغريد عنها. يجب أن تكون أخبار الفريق وأخبار الإصابة سرية. كما نطلب منهم عدم الإدلاء بتعليقات سلبية حول اللاعبين أو المديرين أو المسؤولين أو اتحاد كرة القدم."
نتيجة ما سبق، فالنتيجة الحتمية لتلك العلاقة بين اللاعب والجمهور، تَكمُن في مشكلة الصحة العقلية والضغوط النفسية التي تؤثر على لاعبي كرة القدم في كثير من جوانب حيواتهم وأدائهم في الميدان. قبل أن ندلف إلى مشكلة الضغط النفسي والصحة العقلية التي يُعانيها الرياضيين بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص، دعنا نتطرق إلى الدور المجتمعي الذي قد يؤديه الرياضيون ولاعبو كرة القدم.
دور مجتمعي
منذ الثمانينات فصاعدًا، اشتُهر لاعبو كرة القدم بأنهم مدللون، يتقاضون رواتب زائدة ويتسمون بعدم المسؤولية تجاه مجتمعهم وقضاياه. لكن جيلًا جديدًا من اللاعبين البارزين يدافعون عن القضايا التي يؤمنون بها ويستخدمون تأثيرهم ونفوذهم للمساهمة في التقدم الاجتماعي.
في بداية انتشار وباء كورونا، وتوقف جميع الأنشطة الكروية والعملية، أجرى كابتن ليفربول "چوردان هندرسون" مكالمة هاتفية مع جميع قادة فرق الدوري الإنجليزي ونسّق مع صندوق covid-19 الذي يمكن للاعبين التبرع من خلاله. كذلك في اليوم الذي استؤنفت فيه مباريات الدوري الإنجليزي بعد فترة من الإغلاق، جلس كل لاعب وحكم ومسؤول على ركبتيه دعمًا لحركة "Black Lives Matter"، دون الخروج عن السياق والتوقيت.
-چوردان هندرسون
وفي 1 أيلول /سبتمبر من عام 2020، أعلن "ماركوس راشفورد"، مهاجم مانشستر يونايتد، عن إطلاق فريق عمل لمعالجة فقر الغذاء للأطفال، يضم مدراء تنفيذيين من كبرى المتاجر في المملكة المتحدة بالإضافة إلى جمعيتين خيريتين {FareShare و Food Foundatio}. كانت هذه الخطوة مبنية على نجاح راشفورد في وقت سابق من الصيف، عندما أجبر الحكومة على التراجع عن قرار إلغاء قسائم الطعام للأسر الأشد فقرًا خلال فترة العطلة الصيفية.
-ماركوس راشفورد
في رسالة إلى النواب، وصف اللاعب البالغ من العمر 22 عامًا كيف اعتمدت عائلته على الوجبات المجانية، وكذلك على بنوك الطعام، خلال طفولته. كتب راشفورد، الذي جمع أيضًا أكثر من 20 مليون جنيه إسترليني لصالح FareShare: "لم يتم إنشاء النظام لعائلات مثل أسرتي ، بغض النظر عن مدى صعوبة عمل أمي". "هذا ليس عن السياسة؛ هذا عن الإنسانية".
كانت هذه بعض الأمثلة التي لابد من ذكرها قبل أن نتوجه إلى أساس موضوعنا، ألا وهو معضلة الضغوط النفسية والصحة العقلية لدي اللاعبين. ففي البداية يتعلق الأمر بكونك لاعبًا أفضل، وبمرور الوقت تريد أن تصبح قائدًا ونموذجًا يُحتذى به.
فيروس الرياضة وكرة القدم الذي لن تتخلص منه أبدًا
"كانت عاصفة من الأشياء على وشك الاصطدام . لقد شعرت بالتوتر بشأن المشكلات التي كنت أواجهها مع عائلتي. لم أكن أنام جيدًا. في الملعب ،أعتقد أن التوقعات لهذا الموسم، بالإضافة إلى بدايتنا، كانت تؤثر عليّ" - نجم الدوري الأميريكي للمحترفين كيڤين لوڤ يصف الفترة التي سبقت نوبة هلع تعرض لها خلال مباراة في عام 2017.
تعتبر الضغوط التي يتعرض لها الرياضي عمومًا على المستوى العالي سلاح ذو حدين. إن استخدامها وتوجيهها بشكل صحيح، قد يدفع اللاعب إلى قمة الأداء وذورته، ويساعدك على أداء أفضل وإخراج كل ما بوسعك وبالتالي الازدهار في ظل بيئة ضغط عالية. أما الإخفاق في التعامل معها، فيؤدي إلى مشكلات عقلية وفسيولوچية خطيرة.
أظهرت الدراسات الحديثة زيادة الضغوطات النفسية "تبطئ معدل استعادة القوة من تمارين القوة"، وتمنع التعافي العضلي قصير المدى من تمارين المقاومة. وفي الوقت نفسه، إذا كنت تفتقر إلى المرونة اللازمة للتعامل مع الضغوطات، فقد يكون لذلك تأثير سلبي على الوظائف المعرفية الأساسية للأداء الجيد، مثل أوقات رد الفعل واتخاذ القرار.
تنافسية، تنظيمية، شخصية
يعد فصل أنواع الإجهاد النفسي الذي يواجهه الرياضيون إلى ثلاث فئات خطوة مفيدة. وجدت دراسة أُجريت عام 2000، والتي نظرت في مصادر التوتر التي تؤثر على لاعبي كرة القدم الأستراليين المحترفين أن "اللاعبين حددوا مصادر التوتر التي تجاوزت الحدث التنافسي" وجادلوا بأن "التجربة الرياضية بأكملها يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تطوير استراتيجيات إدارة الإجهاد".
في عام 2006، يصنف العديد من اللاعبين هذه الأنواع من الإجهاد على أنها ؛ تنافسية وتنظيمية وشخصية. يمكن أن يساعد فهم ذلك كلاً من المدرب واللاعب في تكوين صورة كبيرة لما يعيق الأداء أو يساعده.
عندما نتناول مشكلة الصحة العقلية والضغوط النفسية، فإن أبرز الأمثلة من الرياضيين ولاعبي كرة القدم هو "أرون لينون"، لاعب توتنهام هوتسبير وإيفرتون السابق. خضع اللاعب الدولي الإنجليزي السابق للحجز في المستشفى للعلاج النفسي بعد إبلاغ الشرطة عن رجل يسير في الشارع بطريقة مريبة. لكن ما أن تبينت الوضعية التي يعاني منها اللاعب، تلقى دعمًا كبيرًا من ناديه إيڤرتون في ذلك الوقت من مختلف الرياضيين واللاعبين على مستوى الألعاب المختلفة.
ليس "لينون" فقط، فقد كشف اتحاد لاعبي كرة القدم المحترفين {PFA} منذ حادثة لينون وحتى عام 2017، أن هناك أكثر من 150 لاعبًا بين حالي وسابق، تواصلوا مع الاتحاد بخصوص صحتهم العقلية. قدرت إحدى الدراسات التي أجريت في عام 2015 أن أقل من نصف الرياضيين النخبة كانوا يعانون من أعراض اضطراب واحد على الأقل في الصحة العقلية مثل القلق أو الاكتئاب.
-أرون لينون
كذلك "كلارك كارلايل" المدافع السابق في الدوري الإنجليزي الذي حاول الانتحار في وقت سابق عندما كان يعاني من الصحة العقلية، كتب عن تجربته في صحيفة "التايمز البريطانية" حين قال "عندما كنت أعاني من وضعي، كنت أعرف ما هي آليات الدعم الموجودة ولكنني كنت ضعيفًا لدرجة أنني كنت انطوائيًا تمامًا. وهذا هو السبب في أن هذه الأمراض خطيرة للغاية، لأنها تجبرك على ذلك فك الارتباط. هذا هو النقيض التام لما تحتاج إلى القيام به"
علم النفس ومزيد من الاقتراحات والحلول
يهدف العديد من علماء النفس مساعدة اللاعبين والرياضيين على التغلب ومواجهة الضغوط المرتبطة بالمستوى العالي، والتي يمكن أن تُضاف إلى حياتنا اليومية. يتعلم لاعبو الدوري الإنجليزي عدد من الخدع الذهنية والتقنيات التي يمكن أن تساعدهم في تخفيف الضغوط والأعباء النفسية.
"برادلي بوش"، عالم النفس الرياضي من {Inner Drive} وهي شركة استشارية للأداء عملت مع لاعبين من فولهام، ووست هام، وتوتنهام هوتسبر، وسندرلاند، وكريستال بالاس. "بوش"، مثل العديد من علماء النفس الرياضيين، يقوم أيضًا بتعليم رجال الأعمال والمهنيين والمعلمين والطلاب. يقول: "الحفاظ على الثقة والتعامل مع القلق أو الغضب والحفاظ على تركيزك لا تقل أهمية عن ملاعب الدوري الإنجليزي كما هو الحال في غرفة الاجتماعات أو الفصل الدراسي".
تستند كذلك العديد من الأساليب إلى أحدث العلوم. يوضح "بوش" أنه نظرًا للتحسينات في علم الأعصاب والتكنولوجيا، يعلم متخصصي علم النفس أن مفتاح أداء النخبة هو الفص الجبهي. هذه المنطقة من الدماغ حيوية لاتخاذ القرار والتوقع والوعي. كل التقنيات التي يستخدمونها لإبقائها حرة وقوية. إذا زاد الحمل، فإنه يضعف قدرة اللاعب أو المرء على اتخاذ قرارات جيدة بسرعة. هذا صحيح سواء كان في وسط ملعب كرة قدم أو ملعب مبيعات.
فكيف يحافظ اللاعب على صفاء ذهنه؟ تعد تجربة الحديث الإيجابي مع النفس من التجارب المهمة لتقليل الضغط. يقول بوش: "تثبت الأبحاث أن الطريقة التي تتحدث بها مع نفسك تؤثر على الكيمياء الموجودة في عقلك وهرموناتك". ترتبط السلبية والنقد بهرمون التوتر الكورتيزول الذي يقلل من قدرة الفص الجبهي على العمل بشكل فعال. تطلق اللغة الإيجابية والمُفعمة بالطاقة الدوبامين، المرتبط باليقين والثقة، بالإضافة إلى النورأدرينالين و DHEA التي تمكن الفص الجبهي لديك من إطلاق النشاط بشكل أكثر فعالية.
وفقًا لدراسة نشرتها مجلة "Sport Behavior" في عام 2010، فإن هذا الحديث الذاتي يحدث فرقًا حقًا. وأظهرت الدراسة أن إدخال المهارات النفسية، مثل الحديث الذاتي، في الشوط الأول أدى إلى تحسين أداء لاعبي خط الوسط في الشوط الثاني في اثنين على الأقل من مكونات الأداء الثلاثة التي تم قياسها (التمرير واللمسة الأولى والتدخل).
يستخدم العديد من لاعبي كرة القدم أيضًا كلمات رئيسية محفوظة لاستحضار العقليات المناسبة. يقول بوش: "قد يقول اللاعب المُعرض للغضب على أرض الملعب كلمة
"آيس" لتذكيرهم بالبقاء تحت السيطرة عندما تشتد الأمور". "يجد دماغك أنه من الأسهل بكثير التعامل مع صورة واحدة مثيرة للذكريات من العمليات المعقدة.
يمكن أن تستغرق ردود أفعال اللاعب جزءًا من الثانية فقط للخروج عن السيطرة، لذا فإن السرعة أمر بالغ الأهمية ".
حتى لغة الجسد يمكن تسخيرها لإبراز إطار ذهني إيجابي ورفع الثقة. حيث يتم إخبار اللاعبين أنه إذا كان خط عيونهم أقل من ارتفاع علم الزاوية، فهو منخفض جدًا.
علم وظائف الأعضاء الخاص باللاعب مرتبط بحالته العقلية. إذا كان رأسه لأسفل وكتفيه متدليًا، فإن كيمياء دماغه تتغير إلى الأسوأ. رفع رأسه يُبقي عقله في حالة تأهب. لهذا السبب ينظر المدراء غالبًا إلى لغة الجسد لاتخاذ قرار بشأن البدائل.
هناك علم متضمن هنا أيضًا. أظهر بحث أجرته "كلية هارفارد للأعمال" أن الوضعيات المهيمنة يمكن أن تقلل من مستويات هرمون الإجهاد الكورتيزول بنسبة 25%، وتزيد من هرمون التستوستيرون المعزز للثقة بنسبة 19%، وهي حقيقة تستحق المعرفة في المرة القادمة التي يتعين على المرء فيها تقديم عرض تقديمي رئيسي في العمل.
ولكن ماذا عن عندما تسوء الأمور؟
يتم تعليم لاعبي كرة القدم الانتقال من الأخطاء من خلال الإجراءات الرمزية، مثل إلقاء قطع من العشب لتحرير الأخطاء أو مسح قمصانهم. لكن تعزيز تركيز الفرد يمكن أن يساعد في منع الخطأ في المقام الأول.
يوضح "بوش" أن الفص الجبهي حيوي للتركيز ولكنه يكافح من أجل معالجة أشياء متعددة بوعي. لذلك يطلب علماء النفس من اللاعبين التركيز على ثلاثة أشياء فقط. يجب أن تكون أشياء يمكنك التحكم فيها. لا يستطيع المهاجم التحكم في الأهداف ولكن يمكنه التحكم في حركته وطاقته وجودة تسديداته. يبدو الأمر بسيطًا ولكنه يتعلق باستخدام آلية الدماغ بالطريقة الصحيحة.
إن ظهور العديد من الحالات للاعبي كرة القدم الذين يعانون من مشكلات الصحة العقلية والضغط النفسي قد قطع شوطًا طويلًا في حل الاعتقاد الخاطئ بأن المكانة والثروة بمثابة حماية ضد الإصابة بأمراض الصحة العقلية تلك، مثل جميع الأمراض الأخرى، أو أن اللاعبين عبارة عن مجرد آلات وليس بشر.